فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}.
أخرج عبد حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {ولما جاءهم كتاب من عند الله} قال: هو القرآن {مصدق لما معهم} قال: من التوراة والإِنجيل.
وأما قوله تعالى: {وكانوا من قبل يستفتحون} الآية.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري حدثني أشياخ منا قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا، كان معنا يهود، وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن، وكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبيًا يبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله اتبعناه وكفروه به، ففينا- والله- وفيهم أنزل الله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} الآية كلها.
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة في الآية قال: كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم، وكانوا يجدون محمدًا في التوراة فيسألون الله أن يبعثه نبيًا فيقاتلون معه العرب، فلما جاءهم محمد كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس قال: كانت يهود بني قريظة والنضير من قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يستفتحون الله، يدعون على الذين كفروا ويقولون: اللهم إنا نستنصرك بحق النبي الأمي إلاَّ نصرتنا عليهم فينصرون {فلما جاءهم ما عرفوا} يريد محمدًا ولم يشكوا فيه {كفروا به}.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان يهود أهل المدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قاتلوا من يليهم من مشركي العرب من أسد، وغطفان، وجهينة، وعذرة، يستفتحون عليهم ويستنصرون، يدعون عليهم باسم نبي الله فيقولون: اللهم ربنا انصرنا عليهم باسم نبيك وبكتابك الذي تنزل عليه، الذي وعدتنا إنك باعثه في آخر الزمان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن قتادة قال: كانت اليهود تستفتح بمحمد على كفار العرب، يقولون: اللهم ابعث النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم، فلما بعث الله محمدًا كفروا به حين رأوه بعث من غيرهم حسدًا للعرب، وهم يعلمون أنه رسول الله.
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن ابن عباس قال: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان فكلما التقوا هزمت يهود، فعاذت بهذا الدعاء: اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم، فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا فهزموا غطفان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به، فأنزل الله: {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} يعني وقد كانوا يستفتحون بك يا محمد إلى قوله: {فلعنة الله على الكافرين}.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس. أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء، وداود بن سلمة: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، وتخبرونا بأنه مبعوث، وتصفونه بصفته. فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم، فأنزل الله: {ولما جاءهم كتاب من عند الله} الآية.
وأخرج أحمد وابن قانع والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن سلمة بن سلامة وقش وكان من أهل بدر قال: كان لنا جار يهودي في بني عبد الأشهل، فخرج علينا يومًا من بيته قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيسير حتى وقف على مجلس بني الأشهل، قال سلمة: وأنا يومئذ أحدث من فيه سنًا، عليّ بردة مضطجعًا فيها بفناء أهلي، فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار، قال: ذلك لأهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثًا كائن بعد الموت. فقالوا له: ويحك يا فلان..! ترى هذا كائنًا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ فقال: نعم، والذي يحلف به يودّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه وأن ينجو من تلك النار غدًا. قالوا له: ويحك وما آية ذلك؟! قال: نبي يبعث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمن. فقالوا: ومتى نراه؟ قال: فنظر إليّ من أحدثهم سنًا أن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه، قال سلمة: فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا، فآمنا به وكفر به بغيًا وحسدًا، فقلنا ويلك يا فلان ألست بالذي قلت لنا؟! قال: بلى، وليس به.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا} يقول يستنصرون بخروج محمد على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب، فلما بعث الله محمدًا ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} قال: نزلت في اليهود عرفوا محمدًا أنه نبي وكفروا به. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {مِنْ عِنْدِ اللهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه في محلّ رفع صفة ل {كتاب}، فيتعلّق بمحذوف، أي كتاب كائن من عند الله.
والثاني: أن يكون في محلّ نصب لابتداء غاية المجيء قاله أبو البقاء.
وقد رد أبو حيان هذا الوجه فقال لا يقال: إنه يحتمل أن يكون {من عند الله} متعلقًا ب {جَاءَهُمْ}، فلا يكون صفةً، للفصل بين الصفة والموصوف بما هو معمول لغير أحدهما يعني أنه ليس معمولًا للموصوف ولا للصفة، فلا يفتقر الفصل به بينهما.
والجمهور على رفع {مصدق} على أنه صفة ثانية، وعلى هذا يقال: قد وجد صفتان إحداهما صريحة، والأخرى مؤولة، وقد قدّمت المؤولة.
وقد تقدم أن ذلك ممتنع، وإن زعم بعضهم أنه لا يجوز إلا ضَرُورَةً.
والذي حسن تقديم غير الصريحة أن الوصف بيكنونته من عند الله آكد، وأن وصفه بالتصديق ناشئ عن كونه من عند الله.
وقرأ ابن أبي عبلة: {مصدقًا} نصبًا، وكذلك هو في مصحف أُبَيّ، ونصبه على الحال، وفي صاحبها قولان:
أحدهما: أنه {كتاب}.
فإن قيل: كيف جاءت الحال من النكرة؟
فالجواب: أنها قربت من المعرفة لتخصيصها بالصفة وهو {مِنْ عِنْد اللهِ} كما تقدم.
على أن سيبويه أجاز مجيئها منها بلا شَرْطٍ، وإلى هذا الوجه أشار الزمخشري.
والثاني: أنه الضَّمير الذي تحمله الجار والمجرور لوقوعه صفةً، والعامل فيها إما الظرف، أو ما يتعلق به، ولهذا اعترض بعضهم على سيبويه في قوله: مجزوء الوافر.
لِمَيَّةَ مَوحِشًا طَلَلُ ** يَلَوحُ كَأَنَّه خِلَلُ

إن موحشًا حال من طَلَل، وساغ ذلك لتقدمه، فقال: لا حاجة إلى ذلك، إذ يمكن أن يكون حالًا من الضمير المستكنّ في قوله: لِمَيَّةَ الواقع خبرًا لطَلَل، وجوابه في موضع غير هذا.
واللام في {لما معهم} وقعت لتعدية {مصدق} لكونه فرعًا.
وما موصولة، والظَّرف صلتها، ومعنى كون مصدقًا، أي: موافقًا لما معهم من التوراة في أمر يتعلّق بتكاليفهم بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم في النبوة، وما يدلّ عليها من العلامات والنعوت، فإنهم عرفوا أنه ليس بموافق لما مَعَهُمْ في سائر الشَّرائع، وعلمنا أنه لم ترد الموافقة في أدلّة القرآن؛ لأن جميع كتب الله كذلك، فلم تبق إلاَّ الموافقة فيما ذكرناه.
قوله: {وَكَانُوا} يجوز فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون معطوفًا على {جاءهم} فيكون جوابا {لما} مرتبًا على المجيء والكون.
والثاني: أن يكون حالًا، أي: وقد كانوا، فيكون جواب {لما} مرتبًا على المجيء بقيد في مفعوله، وهم كونهم يستفتحون.
قال أبو حيان: وظاهر كلام الزمخشري أن {وكانوا} ليست معطوفة على الفعل بعد لما، ولا حالًا لأنه قدر جواب {لما} محذوفًا قبل قبل تفسيره يستفتحون، فدلَّ على أن قوله: {وكانوا} جملة معطوفة على مجموع الجملة من قوله: {ولما}.
وهذا هو الثالث.
و{مِنْ قَبْلُ} متعلق ب {يستفتحون}، والأصل: من قبل ذلك، فلما قطع بني على الضم.
و{يَسْتَفْتِحُونَ} في محل نصب على أنه خبر كان.
واختلف النحويون في جواب {لما} الأولى الثانية.
فذهب الأخفش والزَّجاج إلى أن جواب الأولى محذوف تقديره: ولما جاءهم كتاب كفروا به، وقدّره الزمخشري: كذبوا به واستهانوا بمجيئه.
وهو حسن، ونظيره قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجبال} [الرعد: 31] أي: لكان هذا القرآن.
وذهب الفَرّاء إلى أن جوابها الفاء الداخلة على {لما}، وهو عنده نظير قوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ} [البقرة: 38] قال: لا يجوز أن تكون الفاء ناسقة، إذ لا يصلح موضعها الواو.
و{كَفَرُوا} جواب {لما} الثانية على القولين.
وقال أبو البَقَاءِ: في جواب {لما} الأولى وجهان:
أحدهما: جوابها {لما} الثانية وجوابها، وهذا ضعيف؛ لأن الفاء مع لما الثانية، ولما لا تجاب بالفاء إلاَّ أن يعتقد زيادة الفاء على مايجيزه الأخفش.
قال شهاب الدين: ولو قيل برأي الأخفش في زيادة الفاء من حيث الجملة، فإنه لا يمكن هاهنا لأن لما لا يجاب بمثلها، لا يقال: لما جاء زيد لما قعد أكرمتك.
على أن يكون لما قعد جواب لما جاء. والله أعلم.
وذهب المبرد إلى أن {كفروا} جواب {لما} الأولى، وكررت الثَّانية لطول الكلام، ويفيد ذلك تقرير الذنب وتأكيده كقوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ} [المؤمنون: 35] إلى قوله: {أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35]، وهو حسن لولا أن الفاء تمنع من ذلك.
وقال أبو البقاء بعد أن حكى وجهًا أول: والثاني: أن {كفروا} جواب الأولى والثانية؛ لأن مقتضاها واحد.
وقيل: الثانية تكرير، فلم تحتج إلى جواب.
فقوله: وقيل: الثانية تكرير، هو قول المبرّد، وهو في الحقيقة ليس مغايرةً للوجه الذي ذكره قبله من كون {كفروا} جوابًا لهما بل هو هو.
قوله: {فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين} جملة من مبتدأ أو خبر متسببة عمّا تقدم، والمصدر هنا مضاف للفاعل، وأتى ب {على} تنبيهًا على أن اللَّعْنة قد استعلت عليهم وشملتهم.
وقال: {على الكافرين} ولم يقل: {عليهم} إقامة للظَّاهر مقام المضمر، لينبّه على السبب المقتضي لذلك وهو الكفر. اهـ. باختصار.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في عَرَفَ:

عرفه يعرِفه مَعْرِفة وعِرْفانًا فهو عارِف وعَرِيف وعَرُوفة: عَلِمَهُ.
وقرأَ الكسائى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ} مخفَّفة أَى جازى حفصَة ببعض ما فعلتْ.
ومنه: أَعرِف للمحسن والمسئ، أَى لا يخفى عليَّ ذلك ولا مقابلته بما يوافقه.
والمعرفة: إِدراك الشيء بتفكُّر وتدبّر لأَثره، وهو أَخَصّ من العلم، ويقال: فلان يعرف اللهَ، ولا يقال: يعلم الله متعدّيًا إِلى مفعول واحد، لمَّا كان معرفة البشر لله هي بتدبّر آثاره دون إِدراك ذاته.
ويقال: الله يعلم كذا ولا يقال: يعرف كذا، لمَّا كان المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصَّل إِليه بتفكُّر وتدبّر.
وفد ورد في القرآن لفظ المعرفة ولفظ العلم.
فلفظ المعرفة كقوله تعالى: {مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ}، {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}.
وأَمّا لفظ العلم فهو أَكثر وأَوسع إِطلاقًا كقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ اللَّهُ}، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ}، وقوله: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ}، وقوله: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، وقوله: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}، وقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}، وقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ} {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ}، وقوله: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ}، وقوله: {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ}، وقوله: {اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، وقوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقوله: {اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}، {وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ} {فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ} وغير ذلك من الآيات.
واختار الله لنفسه اسم العلم وما يتصرّف منه كالعالِم والعلِيم والعَلاَّم، وعَلِم ويَعْلم، وأَخبر أَن له عِلمًا دون لفظ المعرفة، ومعلوم أَنَّ الاسم الذي اختاره لنفسه أَكمل نوعى المشارِك له في معناه.
وإِنما جاءَ لفظ المعرفة في مؤمنى أَهل الكتاب خاصّة كقوله: {ذلك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ}، وقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} وقد تقدّمت الآيتان.
وإِنَّ الطائفة المتصوّفة- نفع الله بهم- يُرجّحون المعرفة على العلم، وكثير منهم لا يرفع بالعلم رأسًا، ويراه قاطعًا وحجابًا دون المعرفة، وأَهل الاستقامة منهم أَشدّ الناس وصِيّة للمريدين بالعلم.
وعندهم أَنه لا يكون ولِيٌّ لله كامل الولاية من غير أولى العلم أَبدًا، فما اتَّخذ الله ولا يتَّخذ ولِيًّا جاهلا.
فالجهل رأْس كلّ بدعة وضلال ونقص، والعلم أَصل كلّ خير وهدى.
والفرق بين المعرفة والعلم من وجوه لفظًا ومعنى:
أَمّا اللفظ: ففعل المعرفة يقع على مفعول واحد، تقول: عرفت الدّيار وعرفت زيدًا، قال تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}، وقال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}.
وفعل العلم يقتضى مفعولين، كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ}، وإِذا وقع على مفعول كان بمعنى المعرفة كقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}.
وأَمّا الفرق من جهة المعنى فمن وجوه:
أَحدها: أَنَّ المعرفة تتعلَّق بذات الشيء والعلم يتعلَّق بأَحواله، فتقول: عرفت أَباك وعلِمته صالِحًا، ولذلك جاءَ الأَمر في القرآن بالعلم دون المعرفة كقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ اللَّهُ}، وقوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، {فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ}.
فالمعرفة: تصوّر صورة الشيء ومثالِه العلميّ في النَّفس، والعلم: حضور أَحواله وصفاته ونسبتها إِليه.
فالمعرفة: نسبة التصوّر، والعلم: نسبة التصديق.
الثانى: أَنَّ المعرفة في الغالب تكون لِمَا غاب عن القلب بعد إدراكِه، فإذا أَدركه قيل: عرفه، أَو تكون لِمَا وُصف له بصفات قامت في نفسه فإِذا رآه وعلم أَنَّه الموصوف بها قيل: عرفه، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}، وقال: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}، وفى الحديث: «إِنَّ الله سبحانه يقول لآخر أَهل الجنّة دخولا: أَتعرف الزمان الذي كنت فيه فيقول: نعم، فيقول: تمنَّ، فيتمنَّى على ربّه».
وقال تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ}.
فالمعرفة نسبة الذِكر النفسيّ وهو حضور ما كان غائبًا عن الذاكر، ولهذا كان ضدّها الإِنكار وضدّ العلم الجهل، قال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} ويقال: عرف الحقَّ فأَقرّ به، وعرفه فأنكره.
الوجه الثالث: أَنَّ المعرفة تفيد تمييز المعروف عن غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به عن غيره.
وهذا الفرق غير الأَوّل، فإِنَّ ذلك يرجع إِلى إِدراك الذات وإِدراك صفاتها، وهذا يرجع إِلى تخليص الذات من غيرها، وتخليص صفاتها من صفات غيرها.
الفرق الرابع: أَنك إِذا قلت: علمت زيدًا لم تفد المخاطب شيئًا، لأَنَّه يَنتظر أَن تخبره على أَيّ حال علمته، فإِذا قلت: كريمًا أَو شجاعًا حصلت له الفائدة، وإِذا قلت: عرفت زيدا استفاد المخاطب أَنك أَثبتَّه وميّزته عن غيره ولم يبق ينتظر شيئًا آخر.
وهذا الفرق في التحقيق إِيضاح الذي قبله.
الفرق الخامس: أَنَّ المعرفة علم بعين الشيء مفصَّلًا عمّا سواه، بخلاف العلم فإِنه قد يتعلَّق بالشيء مُجملًا، فلا يتصوّر أَن يعرف الله البتَّة، ويستحيل هذا الباب بالكليّة؛ فإِن الله سبحانه لا يحاط به علمًا ولا معرفة ولا رؤية، فهو أَكبر من ذلك وأَعظم.
قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ}.
والفرق بين العلم والمعرفة عند المحقِّقين أَنَّ المعرفة عندهم هي العلم الذي يقوم العالِم بموجَبه ومقتضاه، فلا يطلقون المعرفة على مدلول العلم وحده، بل لا يصفون بالمعرفة إِلاَّ من كان عالِمًا بالله وبالطَّريق الموصِّل إِليه وبآفاتها وقواطعها وله حال مع الله يشهد له بالمعرفة.
فالعارف عندهم مَن عرف الله سبحانه بأَسمائه وصفاته وأَفعاله، ثمّ صَدَق الله في معاملاته، ثمّ أَخلص له في قصوده ونِيَّاتِه، ثمّ انسلخ من أَخلاقه الرّديئة وآفاته، ثمّ تطهَّر من أَوساخه وأَدرانه ومخالفاته، ثم صبر على أَحكامه في نِعمه وبليّاته، ثمّ دعا إِلى الله على بصيرة بدينة وإِيمانه، ثم جرّد الدّعوة إِليه وحده بما جاءَ به رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يَشُبْهَا بآراءِ الرِّجال وأَذواقهم ومواجيدهم ومقاييسهم ومعقولاتهم، ولم يزِنْ بها ما جاءَ به الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، فهذا الذي يستحقُّ اسم العارف على الحقيقة، وإِذا سمّى به غيره فعلى الدّعوى والاستعارة.
وقد تكلَّموا في المعرفة بآثارها وشواهدها، فقال بعضهم: مِن أَمارات المعرفة بالله حصول الهيبة، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته.
وقال أَيضا: المعرفة توجب السكينة.
وقيل: علامتها أَن يحس بقرب قلبه من الله فيجده قريبًا منه.
وقال الشِّبلى: ليس لعارف عَلاَقة، ولا لمحبّ شكوى، ولا لعبد دَعْوَى، ولا لخائف قرار، ولا لأَحد من الله فِرار.
وهذا كلامٌ جيّد، فإِن المعرفة الصّحيحة تقطع من القلب العلائق كلَّها، وتعلّقه بمعروفه فلا يبقى فيه عَلاَقة لغيره، ولا يمرّ به العلائق إِلاَّ وهى مجْتازَة.
وقال أَحمد بن عاصم: من كان بالله أَعرف كان من الله أَخوف.
ويدلّ على هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنا أَعرفكم بالله وأَشدّكم له خَشْية».
وقال آخر: من عرف الله ضاقت عليه الأَرضُ بسعتها؛ وقال غيره: من عرف الله اتَّسَع عليه كلُّ ضيق.
ولا تنافى بين هذين الكلامين فإِنَّه يضيق عليه كلَّ مكان لاتِّساعه فيه على شأْنه ومطلوبه، ويتَّسع له ما ضاق على غيره لأَنَّه ليس فيه ولا هو مساكن له بقلبه، فقلبه غير محبوس فيه.
والأَوّل في بداية المعرفة والثانى في غايتها التي يصل اليها العبد.
وقال: من عرف الله تعالى صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كلّ شئ، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأَنِس بالله.
وقال غيره: من عرف الله قرّت عينه بالله وقرّت به كلُّ عين، ومن لم يعرف الله تقطَّع قلبه على الدّنيا حَسَرَاتٍ، ومن عرف الله يلم يبق له رغبة فيما سواه.
وعلامة العارف أَن يكون قلبه مرآة إِذا نظر فيها رأَى فيها الغَيْب الذي دعا إِلى الإِيمان به، فعلى قَدْر جلاءِ تلك المرآة يتراءَى فيها سبحانه والدّارُ الآخرة والجنَّة والنار والملائكة والرُّسُل، كما قيل:
إِذا سكن الغَديرُ على صَفاءٍ ** فيُشْبه أَن يحرّكه النسيمُ

بَدَتْ فيه السماءُ بلا مِرَاءٍ ** كذلك الشمسُ تبدووالنجومُ

كذلك قلوبُ أَربابِ التَجَلِّى ** يُرى في صَفْوِهَا اللهُ العظيمُ

ومن علامات المعرفة أَن يِبدو لك الشاهد وتَفْنَى الشَّواهد، وتنجلى العَلائق وتنقطع العَوائق، وتجلس بين يدى الرّب، وتقوم وتضطجع على التأَهب للقائه كما يجلس الذي قد شدّ أَحماله وأَزمع السفر على تأَهب له ويقوم على ذلك ويضطجع عليه.
ومن علامات العارف أَنه لا يطاِلب ولا يخاصِم ولا يعاقب ولا يرى له على أَحد حقًّا، ولا يأْسف على فائت ولا يفرح بآت لأَنه ينظر في الأَشياءِ الفناءَ والزَّوال، وأَنَّها في الحقيقة كالظِّلال والخيال.
وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفًا حتَّى يكون كالأَرض يطؤها البَرّ والفاجر، وَكالسّحاب يُظلّ كلّ شئ، وكالمطر يَسقى ما يحِبُّ وما لا يحبّ.
وقال يحيى بن مُعاذ: يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربّه.
وهذا من أَحسن ما قيل، لأَنَّه يدلُّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله، فهو شديد الإِزراءِ على نفسه لِهجٌ بالثناءِ على ربّه.
وقال أَبو يزيد: إِنَّما نالوا المعرفة بتضييع ما لَهُم، والوقوف مع ما لَه.
يريد تضييع حظوظهم والوقوف مع حقوق الله تعالى.
وقال آخر: لا يكون العارف عارفًا حتى لو أُعطى مُلْك سليمان لم يشغله عن الله طَرْفة عين.
وهذا يحتاج إِلى شرح، فإِنَّ ما هو دون ذلك يشغل القلب، لكن إِذا كان اشتغاله بغير الله لله فذلك اشتغال بالله.
وقال ابن عطاء: المعرفة على ثلاثة أَركان: الهيبة، والحَياءُ، والأُنْس.
وقيل: العارف ابن وقته.
وهذا من أَحسن الكلام وأَخصَره.
فهو مشغول بوظيفة وقته عمّا مضى وصار في العدم، وعمّا لم يدخل بعد في الوجود، فهمّه عمارة وقته الذي هو مادّة حياته الباقية.
ومن علاماته أَنه مستوحش ممّن يقطعه عنه.
ولهذا قيل: العارف من أَنس بالله فأَوحشه من الخَلْق، وافتقر إِلى الله فأَغناه عنهم، وذلَّ لله فأَعزَّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأَحوجهم إِليه.
وقيل: العارف فوق ما يقول، والعالم دون ما يقول.
يعنى أَنَّ العالِم علمُه أَوسع من حاله وصفته، والعارف حاله وصفته فوق كلامه وخبره.
وقال أَبو سليمان الدارانى: إِن الله يفتح للعارف وهو على فراشه ما لا يفتح لغيره وهو قائم يصلِّي.
وقال ذو النون: لكل شيء عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن ذكر الله.
وقال بعضهم: رياءُ العارفين أَفضل من إِخلاص المريدين.
وهذا كلام ظاهره منكر ومحتاج إِلى شرح؛ فإِن العارف لا يرائى المخلوق طلبًا لمنزلة في قلبه، وإِنما يكون ذلك منه نصيحة وإِرشادا وتعليما، فهو يدعو إِلى الله بَعمله كما يدعو إِلى الله بقوله، وإِخلاصُ المريد مقصور على نفسه.
وقال ذو النون: الزُّهَّاد ملوك الآخرة، وهم فقراءُ العارفين.
وسئل الجُنَيد عن العارف فقال: لون الماءِ لون إِنائِه.
وهذه كلمة رمز بها إِلى حقيقة العبوديّة، وهو أَنَّه يتلوّن في أَقسام العبوديّة، فبينا تراه مصلِّيًا إِذْ رأَيته ذاكرًا أَو قارئًا أَو متعلمًا أَو معلِّمًا أَو مجاهدًا أَو حاجًّا أَو مساعدًا للضَّيف أَو معينًا للملهوف، فيضرب في كلِّ غنيمة بسهم.
فهو مع المنتسبين منتسب، ومع المتعلِّمين متعلِّم، ومع الغُزَاة غاز، ومع المصلِّين مصلٍّ، ومع المتصدِّقين متصدّق وهكذا ينتقل في منازل العبوديّة من عبوديّة إِلى عبوديّة، وهو مستقيم على معبود واحد لا ينتقل عنه إِلى غيره.
وقال يحيى بن مُعاذ: العارف كائن بائن.
وقد فسّر كلامه على وجوه: منها أَنه كائن مع الخَلْق بظاهره بائن عن نفسه.
ومنها أَنَّه كائِن مع أَبناءِ الآخرة بائِن عن أَبناءِ الدّنيا.
ومنها أَنَّه كائن مع الله بموافقته، بائن عن النَّاسِ لمخالفته.
ومنها أَنَّه داخل في الأَشياءِ خارج عنها، يعنى أَن المريد لا يقدر على الدّخول فيها والعارف داخل فيها خارج منها.
وقال ذو النون رحمه الله: علامة العارف ثلاثة: لا يطفئُ نور معرفته نورَ ورعه، ولا يعتقد باطنًا من العلم ينقض عليه ظاهرًا من الحكم، ولا يحمله كثرة نعم الله على هتك أَستار محارم الله.
وهذا أَحسن ما قيل في المعرفة.
وقال: ليس بعارفٍ مَن وصف المعرفة عند أَبناءِ الآخرة فكيف عند أَبناءِ الدّنيا؟ يريد أَنه ليس من المعرفة وصف المعرفة لغير أَهلها سواءٌ كانوا عُبَّادًا أَو من أَبناءِ الدنيا.
وسئل ذو النون عن العارف فقال: كان هاهُنا فذهب.
فسئل الجنيد عن معناه فقال: لا يحصرُه حال عن حال، ولا يحجبه منزل عن التنقّل في المنازل، فهو مع أهل كل منزل على الذي هم فيه، يجد مثل الذي يجدون، وينطق بمعالمها ليتبلغوا.
وقال بعض السّلف: نوم العارف يقظة، وأَنفاسه تسبيح، ونومه أَفضل من صلاة الغافل.
إِنما كان نومه يقظة لأَنَّ قلبه حيّ فعيناه تنامان وروحه ساجدة تحت العرش بين يَدَيْ ربِّها؛ وإِنَّمَا كان نومه أَفضل من صلاة الغافل لأَنَّ بدنه في الصلاة واقف وقلبه يَسْبح في حُشُوش الدنيا والأَمانيِّ.
وقيل: مجالسة العارف تدعوك من ستٍّ إِلى ستّ: من الشك إِلى اليقين، ومن الرياءِ إِلى الإِخلاص، ومن الغفلة إِلى الذكر، ومن الرغبة في الدنيا إِلى الرغبة في الآخرة، ومن الكِبْر إِلى التواضع، ومن سوءِ الطوِيّة إِلى النصيحة.
وللكلام في المعرفة تتمة نذكرها في محلّها في المقصد المشتمل على علوم الصوفية إِن شاءَ الله.
وتعارفوا: عَرَف بعضهم بعضًا.
وعرّف: جعل له عَرْفًا أَى ريحًا طيبة.
قال تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} أَى طيَّبَهَا وزيَّنَهَا.
وقيل: عّرفها لهم من المعرفة أَى وصفها وشوّقهم إِليها.
وعَرَفَات: موقف الحاجّ في تاسع ذى الحِجّة ببطن نَعْمان.
سميّت لأَن آدم وحوّاءَ تعارفا بها، أَو لقول جبريل عليه السّلام لإِبراهيم عليه السّلام لمّا أَعلمه المناسك: أَعَرَفْتَ، أَو لأَنها مقدّسة معظَّمة كأَنَّها عُرّفت أَى طيِّبت، أَو لأَن النَّاس يتعارفون فيه، أَو لتعرّف العباد إِلى الله تعالى بالعبادات والأَدعية.
ويوم عرفة يوم الوقوف.
وهو اسم في لفظ الجمع فلا يجمع.
وهى معرفة وإِن كانت جمعًا؛ لأَن الأَماكن لا تزول فصارت كالشيء الواحد، مصروفة لأَنَّ التاءَ بمنزلة الياء والواو في مسلمين ومسلمون، والنسبة إِليه عَرَفيّ.
والمعروف: اسم لكلّ فعل يُعرف بالشرع والعقل حُسنُه.
وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أَى بالاقتصاد والإِحسان.
وقوله: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} أَى رَدّ جميل ودعاءٌ خير من صدقة هكذا.
والعُرْف: المعروف من الإِحسان.
وجاءَت القَطَا عُرْفًا أَى متتابعة، قال تعالى: {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا}.
والعرّاف: الكاهن، غير أَن العَرَّاف يخصّ بمن يخبر بالأَحوال المستقبلة، والكاهن بالماضية.
والتعريف مَن يعرف الناس ويعرّفهم، وسيّد القوم.
والاعتراف: الإِقرار بالذنب، وأَصله إِظهار معرفة الذَّنب. اهـ.
قال مجد الدين الفيروزابادي: